فصل: تفسير الآية رقم (109):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (103- 106):

{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)}
{ضَلَّ سَعْيُهُمْ} ضاع وبطل وهم الرهبان. عن علي رضي الله عنه، كقوله: {عَامِلَةٌ نَّاصِبَة} [الغاشية: 3] وعن مجاهد: أهل الكتاب.
وعن علي رضي الله عنه: أنّ ابن الكوّا سأله عنهم؟ فقال: منهم أهل حروراء.
وعن أبي سعيد الخدري: يأتي ناس بأعمال يوم القيامة هي عندهم في العظم كجبال تهامة، فإذا وزنوها لم تزن شيئاً {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْناً} فنزدري بهم ولا يكون لهم عندنا وزن ومقدار. وقيل: لا يقام لهم ميزان؛ لأنّ الميزان إنما يوضع لأهل الحسنات والسيئات من الموحدين. وقرئ: {فلا يقيم}، بالياء.
فإن قلت: الذين ضلّ سعيهم في أي محلّ هو؟ قلت: الأوجه أن يكون في محل الرفع، على: هم الذين ضلّ سعيهم؛ لأنه جواب عن السؤال. ويجوز أن يكون نصباً على الذمّ، أو جرّ على البدل {جَهَنَّمَ} عطف بيان لقوله: {جَزَآؤُهُمْ}.

.تفسير الآيات (107- 108):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)}
الحول: التحوّل. يقال: حال من مكانه حولاً، كقولك: عادني حبها عوداً، يعني: لا مزيد عليها حتى تنازعهم أنفسهم إلى أجمع لأغراضهم وأمانيهم. وهذه غاية الوصف؛ لأن الإنسان في الدنيا في أيّ نعيم كان فهو طامح الطرف إلى أرفع منه. ويجوز أن يراد نفي التحوّل وتأكيد الخلود.

.تفسير الآية رقم (109):

{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)}
المداد: اسم ما تمدّ به الدواة من الحبر وما يمدّ به السراج من السليط. ويقال: السماد مداد الأرض. والمعنى: لو كتبت كلمات علم الله وحكمته وكان البحر مداداً لها، والمراد بالبحر الجنس {لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ} الكلمات {وَلَوْ جِئْنَا} بمثل البحر مداداً لنفد أيضاً. والكلمات غير نافدة. و{مِدَاداً} تمييز، كقولك: لي مثله رجلاً. والمدد مثل المداد، وهو ما يمدّ به.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: بمثله مداداً.
وقرأ الأعرج: مدداً، بكسر الميم جمع مدّة، وهي ما يستمده الكاتب فيكتب به. وقرئ: {ينفد} بالياء. وقيل: قال حييّ بن أخطب: في كتابكم {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] ثم تقرءون: {وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85] فنزلت، يعني: أنّ ذلك خير كثير، ولكنه قطرة من بحر كلمات الله.

.تفسير الآية رقم (110):

{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)}
{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ} فمن كان يؤمل حسن لقاء ربه، وأن يلقاه لقاء رضا وقبول. وقد فسرنا اللقاء. أو: أفمن كان يخاف سوء لقائه. والمراد بالنهي عن الإشراك بالعبادة: أن لا يرائي بعمله، وأن لا يبتغي به إلاّ وجه ربه خالصاً لا يخلط به غيره. وقيل: نزلت في جندب بن زهير، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أعمل العمل لله، فإذا اطلع عليه سرّني، فقال: (إنّ الله لا يقبل ما شورك فيه).
وروي أنه قال: «لك أجران: أجر السر، وأجر العلانية» وذلك إذا قصد أن يقتدى به. وعنه صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الشرك الأصغر» قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: «الرياء» وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الكهف من آخرها كانت له نوراً من قرنه إلى قدمه، ومن قرأها كلها كانت له نوراً من الأرض إلى السماء» وعنه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ عند مضجعه: {قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} كان له من مضجعه نوراً يتلألأ إلى مكة، حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم، وإن كان مضجعه بمكة كان له نوراً يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يستيقظ» والله أعلم.

.سورة مريم:

.تفسير الآيات (1- 3):

{كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)}
{كهيعص} قرأ بفتح الهاء وكسر الياء حمزة، وبكسرهما عاصم، وبضمهما الحسن.
وقرأ الحسن {ذَكَّرَ رَحمَةَ رَبِّكَ} أي: هذا المتلوّ من القرآن ذَكَّرَ رحمةَ ربكَ وقرئ: {ذَكَّرْ} على الأمر. راعى سنة الله في إخفاء دعوته، لأنّ الجهر والإخفاء عند الله سيان، فكان الإخفاء أولى، لأنه أبعد من الرياء وأدخل في الإخلاص.
وعن الحسن نداء لا رياء فيه، أو أخفاه لئلا يلام على طلب الولد في إبَّان الكبرة والشيخوخة. أو أسره من مواليه الذين خافهم. أو خفت صوته لضعفه وهرمه، كما جاء في صفة الشيخ: صوته خفات، وسمعه تارات. واختلف في سنّ زكريا عليه السلام، فقيل: ستون، وخمس وستون، وسبعون، وخمس وسبعون، وخمس وثمانون.

.تفسير الآية رقم (4):

{قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)}
قرئ {وهن} بالحركات الثلاث، وإنما ذكر العظم لأنه عمود البدن وبه قوامه وهو أصل بنائه، فإذا وهن تداعى وتساقطت قوته، ولأنه أشد ما فيه وأصلبه، فإذا وهن كان ما وراءه أوهن. ووحَّده لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية، وقصده إلى أن هذا الجنس الذي هو العمود والقوام وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن، ولو جمع لكان قصداً إلى معنى آخر، وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه ولكن كلها واشتعل الرأس شيبا. إدغام السين في الشين عن أبي عمرو. شبه الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته وانتشاره في الشعر وفشوّه فيه وأخذه منه كل مأخذ، باشتعال النار؛ ثم أخرجه مخرج الاستعارة، ثم أسند الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس. وأخرج الشيب مميزاً ولم يضف الرأس: اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأس زكريا، فمن ثم فصحت هذه الجملة وشهد لها بالبلاغة. توسل إلى الله بما سلف له معه من الاستجابة.
وعن بعضهم أن محتاجاً سأله وقال: أنا الذي أحسنت إليّ وقت كذا. فقال: مرحباً بمن توسل بنا إلينا، وقضى حاجته.

.تفسير الآيات (5- 6):

{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)}
كان مواليه- وهم عصبته إخوته وبنو عمه- شرار بني إسرائيل، فخافهم على الدين أن يغيروه ويبدّلوه، وأن لا يحسنوا الخلافة على أمته، فطلب عقباً من صلبه صالحاً يقتدى به في إحياء الدين ويرتسم مراسمه فيه: {مِن وَرَائِى} بعد موتي.
وقرأ ابن كثير: {من وراي} بالقصر، وهذا الظرف لا يتعلق ب (خفت) لفساد المعنى، ولكن بمحذوف. أو بمعنى الولاية في الموالي: أي خفت فعل الموالي وهو تبديلهم وسوء خلافتهم من ورائي. أو خفت الذين يلون الأمر من ورائي.
وقرأ عثمان ومحمد بن علي وعلي بن الحسين رضي الله عنهم {خَفَّتِ الموالي من ورائي} وهذا على معنيين، أحدهما: أن يكون {وَرَائِى} بمعنى خلفي وبعدي، فيتعلق الظرف بالموالي: أي قلوا وعجزوا عن إقامة أمر الدين، فسأل ربه تقويتهم ومظاهرتهم بوليّ يرزقه.
والثاني: أن يكون بمعنى قدامي، فيتعلق بخفت، ويريد أنهم خفوا قدامه ودرجوا ولم يبق منهم من به تقوّ واعتضاد {مِن لَّدُنْكَ} تأكيد لكونه ولياً مرضياً، بكونه مضافاً إلى الله تعالى وصادرا من عنده، وإلا- فهب لي ولياً يرثني- كاف، أو أراد اختراعاً منك بلا سبب لأني وامرأتي لا نصلح للولادة {يَرِثُنِى وَيَرِثُ} الجزم جواب الدعاء، والرفع صفة. ونحوه: {رِدْءاً يُصَدّقُنِى} [القصص: 34] وعن ابن عباس والجحدري: يرثني وأرث آل يعقوب، نصب على الحال.
وعن الجحدري: أُويرث، على تصغير وأرث، وقال غليم صغير.
وعن علي رضي الله عنه وجماعة: وارث من آل يعقوب: أي يرثني به وارث، ويسمى التجريد في علم البيان، والمراد بالإرث إرث الشرع والعلم، لأنّ الأنبياء لا تورّث المال. وقيل: يرثني الحبورة وكان حبراً، ويرث من آل يعقوب الملك. يقال: ورثته وورثت منه لغتان.
وقيل (من) للتبعيض لا للتعدية، لأنّ آل يعقوب لم يكونوا كلهم أنبياء ولا علماء، وكان زكريا عليه السلام من نسل يعقوب بن إسحاق. وقيل: هو يعقوب بن ماتان أخو زكريا. وقيل: يعقوب هذا وعمران أبو مريم أخوان من نسل سليمان بن داود.

.تفسير الآية رقم (7):

{يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)}
{سَمِيّاً} لم يسمّ أحد ب (يحيى) قبله، وهذا شاهد على أنّ الأسامي السنع جديرة بالأثرة، وإياها كانت العرب تنتحي في التسمية لكونها أنبه وأنوه وأنزه عن النبز، حتى قال القائل في مدح قوم:
سُنْعُ الأَسَامِي مُسْبِلِي أُزُرٍ ** حُمْرٍ تَمَسُّ الأَرْضَ بِالْهدْبِ

وقال رؤبة للنسابة البكري- وقد سأله عن نسبه-: أنا ابن العجاج؛ فقال: قصرت وعرفت. وقيل: مثلاً وشبيها عن مجاهد، كقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم: 65] وإنما قيل للمثل {سَميّ} لأنّ كل متشاكلين يسمى كل واحد منهما باسم المثل والشبيه والشكل والنظير، فكل واحد منهما سميّ لصاحبه، ونحو: {يحيى} في أسمائهم (يعمر، ويعيش) إن كانت التسمية عربية؛ وقد سموا بيموت أيضاً وهو يموت ابن المزرَّع، قالوا: لم يكن له مثل في أنه لم يعص ولم يهم بمعصية قط، وأنه ولد بين شيخ فان وعجوز عاقر، وأنه كان حصوراً.

.تفسير الآية رقم (8):

{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)}
أي كانت على صفة العقر حين أنا شاب وكهل، فما رزقت الولد لاختلال أحد السببين، أفحين اختل السببان جميعاً أُرزقه؟ فإن قلت: لم طلب أولاً وهو وامرأته على صفة العتيّ والعقر، فلما أسعف بطلبته استبعد واستعجب؟ قلت: ليجاب بما أجيب به، فيزداد المؤمنون إيقاناً ويرتدع المبطلون، وإلا فمعتقد زكريا أولاً وآخراً كان على منهاج واحد: في أنّ الله غني عن الأسباب، أي بلغت عتياً: وهو اليبس والجساوة في المفاصل والعظام كالعود القاحل يقال: عتا العود وعسا من أجل الكبر والطعن في السن العالية. أو بلغت من مدارج الكبر ومراتبه ما يسمى عتياً.
وقرأ ابن وثاب وحمزة والكسائي بكسر العين، وكذلك {صِلِيّاً} [مريم: 70] وابن مسعود بفتحهما فيهما.
وقرأ أبيّ ومجاهد {عُسِيًّا}.

.تفسير الآية رقم (9):

{قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9)}
{كذلك} الكاف رفع، أي الأمر كذلك تصديق له، ثم ابتدأ {قَالَ رَبُّكَ} أو نصب بقال، وذلك إشارة إلى مبهم يفسره {هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} ونحوه: {وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآْء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ} [الحجر: 66] وقرأ الحسن {وهو علي هين}، ولا يخرج هذا إلا على الوجه الأول: أي الأمر كما قلت، وهو على ذلك يهون علي. ووجه آخر: وهو أن يشار بذلك إلى ما تقدم من وعد الله، لا إلى قول زكريا. و {قال} محذوف في كلتا القراءتين: أي قال هو عليّ هين قال وهو عليّ هين، وإن شئت لم تنوه، لأن الله هو المخاطب، والمعنى: أنه قال ذلك ووعده وقوله الحق {وقد خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} لأن المعدوم ليس بشيء. أو شيئاً يعتد به، كقولهم: عجبت من لا شيء، وقوله:
إذَا رَأَى غَيْرَ شَيْءٍ ظَنَّهُ رَجُلاً

وقرأ الأعمش والكسائي وابن وثّاب {خلقناك}.